شهد يوم 21 سبتمبر 2025 منعطفاً مهماً في مسار القضية الفلسطينية، حيث أعلنت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، قبيل انطلاق أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمر حل الدولتين الذي ترأسه السعودية وفرنسا. هذه الخطوة تثير تساؤلات جوهرية حول القيمة الحقيقية لهذه الاعترافات ومدى قدرتها على تحقيق تغيير جذري في واقع الصراع.
القيمة الاستراتيجية للاعترافات الدولية
- إعادة تشكيل خارطة السلام الدولية
تغيير النهج الاستراتيجي:
تمثل هذه الاعترافات رؤية مغايرة لنهج الحكومة الإسرائيلية القائم على:
- استمرار الصراع وتقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية
- خلق ظروف ملائمة لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية
- مواصلة ضم الأراضي المحتلة بوتيرة متسارعة
إحياء حل الدولتين:
- عودة حل الدولتين إلى صدارة الأجندة الدولية كسبيل وحيد لإنهاء الصراع
- معالجة الجذور التاريخية للصراع بدلاً من مجرد إدارته
- تعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية ودعم استقلالها المالي
- تعزيز الضغوط الدبلوماسية
على الصعيد الدولي:
- زيادة العزلة الدبلوماسية لإسرائيل في الأمدين المتوسط والبعيد
- تعزيز المواقف الدبلوماسية للأطراف العربية والدولية الساعية لإنهاء حرب غزة
- خلق زخم دولي للضغط على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر توازناً
على الصعيد الإقليمي:
- دفع إدارة ترامب لاتخاذ خطوات جادة لإنهاء الحرب
- منع إسرائيل من تأجيج التوترات في الضفة الغربية
- تجنب تفجير الوضع الإقليمي من لبنان واليمن إلى إيران
- إيجاد شراكات دولية جديدة
آلية متعددة الأطراف:
- خلق صيغة دولية جديدة لتحقيق السلام لا تعتمد على التفرد الأمريكي
- إشراك قوى دولية وازنة في عملية صنع القرار
- معالجة نزوع الإدارة الأمريكية للتقليل من أهمية التنسيق مع القوى الأوروبية
إعادة الانخراط الأوروبي:
- المسؤولية التاريخية البريطانية: ساهمت بريطانيا في إنشاء إسرائيل مما يعزز مسؤوليتها الأخلاقية
- المسؤولية الفرنسية: شاركت فرنسا في إنشاء البرنامج النووي الإسرائيلي
- الجهد المشترك: التعاون السعودي الفرنسي في رئاسة مؤتمر حل الدولتين
التحديات والعوائق
- السلوك الإسرائيلي المتصاعد
التفخيخ الممنهج لعملية السلام:
- تجميد المفاوضات منذ 2014
- نمو الحركة الاستيطانية: 140 مستوطنة مرخصة حكومياً و200 بؤرة استيطانية
- مشروع “E1” لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم (40 ألف مستوطن)
التصعيد المحتمل:
- اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية رداً على الاعترافات
- تسريع ضم المستوطنات وترسيخ فصل شمال الضفة عن جنوبها
- عدم وجود مشروع سياسي بديل عن الإبادة والحصار
- ضعف الآليات التنفيذية
غياب الإجراءات الملزمة:
- الاعترافات لا تترافق مع إجراءات فعالة لإجبار إسرائيل على الانسحاب
- عدم وجود آليات دولية ملزمة لوقف الاستيطان
- المراوحة الأمريكية بين رفض الاعتراف وغياب الضغوط الجدية
الحاجة لصيغة دولية موسعة:
- ضرورة العودة لآليات متعددة الأطراف كالرباعية الدولية
- إشراك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين رغم ضعف دورهم الحالي
- تجنب استقطابات الصراع الروسي الأوكراني
- متطلبات الضمانات الأمنية
التحدي الأمني طويل الأمد:
- ضرورة خلق ضمانات أمنية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي
- الحاجة لبعثة أممية مؤقتة لدعم الاستقرار
- ضمان ألا تكون حماس جزءاً من ترتيبات اليوم التالي
الدور الأمريكي المطلوب:
- التزام أمريكي واضح بالحلول الدبلوماسية
- قبول مبادرات الأطراف العربية لحل الملف الإيراني
- فك الارتباط الإقليمي بأجندة إسرائيل تجاه سوريا ولبنان واليمن
تقييم القيمة الحقيقية للاعترافات
الإيجابيات المحققة:
على المستوى الرمزي:
- إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في بناء دولته المستقلة
- معالجة الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني
- تمهيد الطريق للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة
على المستوى السياسي:
- إحياء الآمال المتلاشية لحل الدولتين
- خلق ديناميكية دولية جديدة تعزز الضغط على إسرائيل
- تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية دولياً
على المستوى الاستراتيجي:
- كسر الهيمنة الأمريكية المطلقة على عملية السلام
- إشراك قوى دولية جديدة في الحل
- خلق توازن دولي أكثر عدالة
القيود والتحديات
على المستوى العملي:
- عدم ترجمة الاعترافات لإجراءات ملموسة على الأرض
- استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية
- غياب آليات الإنفاذ الدولي
على المستوى الإقليمي:
- احتمالية التصعيد الإسرائيلي كرد فعل
- عدم توافق الموقف الأمريكي مع المسار الدولي
- الحاجة لحلول شاملة للأزمات الإقليمية المترابطة
الخلاصة: القيمة المحدودة والآفاق المستقبلية
القيمة الإيجابية المحققة:
- تمثل الاعترافات خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لكنها غير كافية بذاتها
- تخلق زخماً دبلوماسياً ونفسياً مهماً للقضية الفلسطينية
- تعيد تشكيل الخطاب الدولي حول الصراع لصالح الحق الفلسطيني
القيود الجوهرية:
- رمزية أكثر منها عملية في غياب آليات الإنفاذ
- تحتاج لتطوير آليات دولية ملزمة للتنفيذ على الأرض
- مرهونة بتغيير جذري في السلوك الإسرائيلي والموقف الأمريكي
التوصيات الاستراتيجية:
- تطوير آليات الإنفاذ: ضرورة ترجمة الاعترافات لإجراءات عملية ملزمة
- توسيع دائرة الاعترافات: جذب المزيد من الدول للانضمام للمسار
- بناء تحالف دولي فعال: إشراك قوى دولية كبرى في عملية الحل
- ربط الاعترافات بالعقوبات: فرض تكاليف حقيقية على الممارسات الإسرائيلية
- تعزيز المؤسسات الفلسطينية: دعم السلطة الفلسطينية مالياً ومؤسسياً.
الخلاصة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تمثل قيمة مهمة ولكن محدودة في الوقت الراهن. فهي تخلق زخماً سياسياً ونفسياً مهماً وتعيد تشكيل الخطاب الدولي، لكنها تحتاج لترجمة عملية من خلال آليات إنفاذ دولية فعالة وتغيير جذري في موازين القوى لتحقيق تأثير حقيقي على أرض الواقع.
zawayanet.com